تخطى إلى المحتوى

النبيّ عيسى المسيح (عليه السلام) ذهب إلى ‘الحَجِّ’

  • بواسطة

تُخبرنا سورة الحج  (سورة 22) أنّ طقوسًا ومناسكَ مختلفة كانت تُمارَس في أوقاتٍ مختلفةٍ. لكنّ لم تكن ذبائح اللحوم بشكلٍ محدَّدٍ، بل ما في داخلنا هو الأكثر أهميَّة.

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ.

(سورة الحج 22: 34-37)

يُعتَبَرُ الماءُ جزءًا مُهمًّا من طقوس ومناسك الحجّ لأنّ الحجَّاج يسعون إلى الشرب من ماء بئر زمزم. لكنّ سورة المُلك (سورة 67) تطرحُ علينا سؤالاً مهمًّا.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ.

(سورة 67: 30)

تناول النبيّ عيسى المسيح، عليه السلام، هذا السؤال في رحلة حجٍّ يهوديَّة أمرَ بها النبيّ موسى ، عليه السلام. سوف نُلقي نظرة على هذا هنا من خلال عدسة الحجّ.

إنّنا جميعًا على اطّلاعٍ على مسألة الحجّ لأنّ الاحتفال به كلّ عام يتمُّ عندما يؤدّي المسلمون شعائر العبادة المفروضة في حجِّهم إلى مكّة. وما هو معروف بشكلٍ أقلّ هو أنّ شريعة موسى (عليه السلام) التي تلقّاها قبل 3500 سنة، تطلَّبَت من المؤمنين اليهود في ذلك الوقت أن يقوموا بالحجِّ المقدَّس إلى أورشليم (القدس) كلّ عام. وكان يُطلَق على مثل هذا الحجّ عيد المظال (أو سوكوت Sokkot). وهذا الحجّ الذي أمر به النبي موسى (عليه السلام) لديه العديد من نقاط التشابُه مع الحجّ الذي نعرفه اليوم. على سبيل المثال، كان كلًّا من حَج اليهود وحجّ المسلمين يجري خلال أسبوعٍ محدَّدٍ من التقويم العبري والهجري، وتضمَّن كلاهما تقديم أُضاحي من الحيوانات، كما تضمَّن كلاهما الحصول على مياهٍ خاصّة، والنوم في العراء، والطواف سبع مرّاتٍ حول بناءٍ مقدَّسٍ. بمعنى ما، كان عيد المظال بمثابة الحجّ بالنسبة إلى اليهود.في الواقع، لا يزال اليهود اليوم يحتفلون بعيد المظال ولكن بطريقةٍ مختلفةٍ بعض الشيء بما أنّ هيكلهم في أورشليم قد دُمِّر من قِبَل الرومان سنة 70 ميلاديّة.

يسجِّل الإنجيل كيف قام النبيّ عيسى (عليه السلام) بالحجِّ بمناسبة هذا العيد في إحدى السنوات – ‘حجَّه’. سوف أُعيد رواية القصّة مع بعض الإيضاحات عند الاقتضاء.

ذهاب يسوع إلى عيد المِظال

7 بَعْدَ ذَلِكَ بَدَأ يَسُوعُ يَتَنَقَّلُ فِي إقلِيْمِ الجَلِيلِ. وَلَمْ يَشَأْ أنْ يَتَنَقَّلَ فِي إقلِيْمِ اليَهُودِيَّةِ. فَقَدْ كانَ اليَهُودُ يَسْعَوْنَ إلَى قَتلِهِ. 2 وَكانَ عِيدُ السَّقائِفِ اليَهُودِيِّ قَرِيْباً. 3 فَقالَ إخْوَةُ يَسُوعَ لَهُ: «اتْرُكْ هَذا المَكانَ، وَاذْهَبْ إلَى اليَهُودِيَّةِ لِكَيْ يَتَمَكَّنَ أتباعُكَ مِنْ أنْ يَرَوا الأعمالَ الَّتِي تَعْمَلُها. 4 إنْ كانَ أحَدٌ يَسْعَى إلَى الشُّهْرَةِ، فَإنَّهُ لا يَعْمَلُ ما يَعْمَلُهُ فِي السِّرِّ. فَإنْ كُنْتَ تَصْنَعُ هَذِهِ المُعجِزاتِ حَقّاً، أظهِرْ نَفْسكَ لِلعالَمِ.» 5 إذْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى إخْوَتُهُ يُؤْمِنُونَ بِهِ.  (يوحنا 7: 1-5)

نرى في هذه الآيات أنّ إخوة النبيّ كانوا يعاملونه بسخرية لأنّهم لم يكونوا يؤمنون به. ولكن حدث أمرٌ ما في وقتٍ لاحقٍ أدّى إلى تغييرٍ في إخوته لأنّ اثنين منهم، يعقوب ويهوذا، كتبا في وقتٍ لاحقٍ رسالتَين (سُمِّيتا رسالتَي يعقوب و يهوذا) اللَّتَين هما جزءٌ من العهد الجديد (الإنجيل).

6 فَقالَ لَهُمْ يَسوْعُ: «لَمْ يَحِنِ الوَقْتُ المُلائِمُ لِيْ بَعْدُ، بَيْنَما الوَقْتُ مُلائِمٌ لَكُمْ دائِماً. 7 لا يَسْتَطِيْعُ العالَمُ أنْ يُبْغِضَكُمْ، لَكِنَّهُ يُبْغِضُنِي لِأنِّي أقُولُ إنَّ أعمالَهُ شِرِّيْرَةٌ. 8 اذْهَبُوا أنتُمْ إلَى العِيْدِ، أمّا أنا فَلَنْ أذهَبَ إلَى هَذا العِيْدِ الآنَ، لِأنَّ وَقْتِي لِمْ يَحِنْ بَعْدُ.» 9 وَبَعْدَ أنْ قالَ هَذا بَقِيَ فِي الجَلِيلِ.

10 وَعِنْدَما ذَهَبَ إخْوَتُهُ إلَى العِيْدِ، ذَهَبَ هُوَ أيْضاً. غَيْرَ أنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ عَلَناً بَلْ فِي الخَفاءِ. 11 فَكانَ اليَهُودُ يَبْحَثُونَ عَنْهُ فِي العِيْدِ وَيَسْألُونَ: «أيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلُ؟»

12 وَكانَ هُناكَ هَمْسٌ كَثِيْرٌ عَنْهُ بَيْنَ النّاسِ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: «هُوَ إنسانٌ صالِحٌ.» بَيْنَما قالَ آخَرُونَ: «لا بَلْ هُوَ يَخْدَعُ النّاسَ.» 13 غَيْرَ أنَّ أحَداً لَمْ يَتَحَدَّثْ عَنْهُ عَلَناً. فَقَدْ كانُوا يَخافُونَ مِنْ قادَةِ اليَهُودِ.

يَسُوعُ يُعَلِّمُ فِي مَدينَةِ القُدْس

14 وَلَمّا كانَ مُنْتَصَفُ العِيْدِ تَقْرِيْباً، ذَهَبَ يَسُوعُ إلَى ساحَةِ الهَيْكَلِ وَبَدَأ يُعَلِّمُ. 15 فَدُهِشَ اليَهُودُ وَقالُوا: «كَيْفَ لِهَذا الرَّجُلِ أنْ يَعْرِفَ كُلَّ هَذِهِ المَعْرِفَةِ دُونَ أنْ يَتَعَلَّمَ؟»

16 فَأجابَهُمْ يَسُوعُ: «ما أُعَلِّمُهُ لَيْسَ مِنِّي، بَلْ مِنَ الَّذِي أرْسَلَنِي. 17 فَإنْ أرادَ أحَدٌ مِنْكُمْ أنْ يَفْعَلَ ما يُرِيْدُهُ اللهُ، فَسَيَعْرِفُ إنْ كانَ تَعلِيْمِي مِنَ اللهِ أمْ مِنْ ذاتِي. 18 مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ ذاتِهِ يَسْعَى إلَى تَمْجِيْدِ ذاتِهِ، أمّا الَّذِي يَسْعَى إلَى تَمْجِيْدِ مَنْ أرْسَلَهُ فَهُوَ صادِقٌ وَلَيْسَ فِيْهِ زِيْفٌ. 19 ألَمْ يُعْطِكُمْ مُوسَى الشَّرِيْعَةَ؟ لَكِنْ لا أحَدَ مِنْكُمْ يُطَبِّقُ تِلْكَ الشَّرِيْعَةَ. لِماذا تَسْعَوْنَ إلَى قَتلِي؟»

20 فَأجابَ النّاسُ: «فِيْكَ رُوحٌ شِرِّيْرٌ! فَمَنِ الَّذِي يَسْعَى إلَى قَتلِكَ؟»

21 فَقالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «صَنَعْتُ مُعْجِزَةً واحِدَةً يَوْمَ السَّبْتِ فَانْدَهَشْتُمْ جَمِيعاً! 22 لَكِنَّ مُوسَى أعطاكُمْ وَصِيَّةَ الخِتانِ، مَعَ أنَّ الخِتانَ جاءَ مِنْ آبائِكُمْ لا مِنْ مُوسَى. وَها أنتُمْ تَختِنُونَ الأطفالَ حَتَّى فِي يَوْمِ السَّبْتِ! 23 إذاً يُمْكِنُ لِلإنسانِ أنْ يُخْتَنَ يَوْمَ السَّبْتِ لِئَلّا تُكْسَرَ شَرِيْعَةُ مُوسَى. فَلِماذا تَغْضَبُونَ مِنِّي لِأنِّي شَفَيْتُ إنساناً بِكامِلِهِ يَوْمَ السَّبْتِ؟ 24 كُفُّوا عَنِ الحُكْمِ حَسَبَ المَظاهِرِ، وَاحْكُمُوا حَسَبَ ما هُوَ صَوابٌ حَقّاً.»

يَسُوعُ هُوَ المَسِيْح

25 فَقالَ بَعْضُ أهلِ القُدْسِ: «ألَيْسَ هَذا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَسْعُونَ إلَى قَتلِهِ؟ 26 لَكِنْ ها هُوَ يَتَحَدَّثُ عَلَناً، وَهُمْ لا يَعْمَلُونَ شَيْئاً لَهُ! ألَعَلَّ القادَةَ اقْتَنَعُوا بِأنَّهُ هُوَ المَسِيْحُ؟ 27 لَكِنَّنا نَعْرِفُ أصلَ هَذا الإنسانِ، أمّا حِيْنَ يَأْتِي المَسِيْحُ الحَقِيْقِيُّ، فَلَنْ يَعْرِفَ أحَدٌ مِنْ أيْنَ يَأْتِي.» (يوحنا 7: 6-27)

كما ترون، كان النقاش بين اليهود في ذلك الوقت هو ما إذا كان النبيّ عيسى (عليه السلام) هو المسيح (المسيّا) أم لا. كان الشعب اليهودي يعتقد أنّ المكان الذي سيأتي منه المسيح سيكون مجهولاً. ولأنّهم كانوا يعرفون من أين جاء عيسى، فقد اعتقدوا، بناءً على ذلك، أنّه لا يمكن أن يكون المسيح. فمن أين إذن جاءوا بهذا الاعتقاد الذي يقول بأنّ أصل المسيح لن يكون معروفًا؟ من التوراة؟ من كتابات الأنبياء؟ كلاّ على الإطلاق! لقد ذكر الأنبياء بوضوح من أيّ مكانٍ سيأتي المسيح. وقد كتب النبيّ ميخا (عليه السلام) في القرن السابع ق.م في الزبور ما يلي:

2 أمّا أنْتِ يا بَيْتَ لَحمَ الَّتِي فِي أفراتَةَ،
مَعَ أنَّكِ قَلِيلَةُ الأَهَمِّيَّةِ بَينَ مُدُنِ يَهُوذا،
لَكِنْ مِنْكِ سَيَخْرُجُ لِي
مَنْ يَرْعَى شَعبِي بَنِي إسْرائِيلَ،
وَتَعُودُ جُذُورُهُ إلَى الأيّامِ البَعِيدَةِ فِي الماضِي. (ميخا 5: 2)

لقد ذكرت هذه النبوءة (انظر المقال هنا لمزيدٍ من التفاصيل حول هذا الموضوع) أنّ الحاكم (= المسيح) سيأتي من بيت لحم. وقد رأينا في ولادة المسيح أنّه ولِدَ فعلاً في بيت لحم كما كانت هذه النبوءة قد توقَّعَت قبل 700 سنة من ولادته.

لقد كان اعتقاد اليهود الذي يقول بأنّ المكان الذي سيأتي منه المسيح سيكون غير معروفٍ هو مجرّد تقليدٍ دينيٍّ في ذلك الوقت. لقد أخطأوا في اعتقادهم لأنّهم لم يحكموا بما قد كتبه الأنبياء، بل حكموا، بدلاً من ذلك، بناءً على رأي الشارع، وأفكار زمانهم. يجب أن نحذر من ارتكاب الخطأ نفسه.

وتتابع القصّة

28 وَبَيْنَما كانَ يَسُوعُ يُعَلِّمُ فِي ساحَةِ الهَيْكَلِ، رَفَعَ صَوْتَهُ وَقالَ: «أنتُمْ تَعْرِفُونَنِي وَتَعْرِفُونَ مِنْ أيْنَ أنا. فَأنا لَمْ آتِ مِنْ نَفْسِي، لَكِنَّ الَّذِي أرْسَلَنِي هُوَ الحَقُّ وَأنتُمْ لا تَعْرِفُونَهُ. 29 أمّا أنا فَأعْرِفُهُ لِأنِّي مِنْهُ أتَيْتُ، وَهُوَ الَّذِي أرْسَلَنِي.»

30 حِيْنَئِذٍ حاوَلُوا أنْ يَقْبِضُوا عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يُمْسِكَهُ لِأنَّ وَقْتَهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ حانَ بَعْدُ. 31 فَآمَنَ بِهِ كَثِيْرُونَ وَقالُوا: «عِنْدَما يَأْتِي المَسِيْحُ، لا يُمْكِنُ أنْ يَصْنَعَ مُعْجِزاتٍ أكْثَرَ مِمّا صَنَعَ هَذا الرَّجُلُ.»

محاولةُ القَبْضِ عَلَى يَسُوع

32 وَسَمِعَ الفِرِّيْسِيُّونَ ما كانَ يَتَهامَسُ بِهِ النّاسُ عَنْ يَسُوعَ، فَأرْسَلَ كِبارُ الكَهَنَةِ وَالفِرِّيْسِيُّونَ حُرّاساً لِلقَبْضِ عَلَيهِ. 33 فَقالَ يَسُوعُ: «سَأبْقَى مَعَكُمْ أيُّها النّاسُ وَقْتاً قَلِيلاً بَعْدُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ سَأعُودُ إلَى الَّذِي أرْسَلَنِي. 34 سَتَبْحَثُونَ عَنِّي، وَلَكِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُونِي لِأنَّكُمْ لا تَقْدِرُونَ أنْ تَذْهَبُوا إلَى حَيْثُ سَأكُونُ.»

35 فَقالَ قادَةُ اليَهُودِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «إلَى أيْنَ يَنْوِي الذَّهابَ فَلا نَقْدِرَ أنْ نَجِدَهُ؟» ألَعَلَّهُ ذاهِبٌ لِيُعَلِّمَ المُشَتَّتِيْنَ مِنْ شَعبِنا فِي المُدُنِ اليُونانِيَّةِ، وَلِيُعَلِّمَ اليُونانِيِّيْنَ مِنْ أهلِ تِلْكَ المَدُنِ؟ 36 فَما مَعْنَى قَولُهُ هَذا: ‹سَتَبْحَثُونَ عَنِّي، لَكِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُونِي لِأنَّكُمْ لا تَقْدِرُونَ أنْ تَذْهَبُوا إلَى حَيْثُ سَأكُونُ›؟»

يَسُوعُ يَتَحَدَّثُ عَنِ الرُّوحِ القُدُس

37 وَفِي اليَوْمِ الأخِيْرِ وَالأهَمِّ مِنَ العِيْدِ، وَقَفَ يَسُوعُ وَقالَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ: «إنْ عَطِشَ أحَدٌ مِنْكُمْ، فَلْيَأْتِ إلَيَّ وَيَشْرَبْ. 38 وَمَنْ آمَنَ بِي، سَتَفِيْضُ مِنْ أعماقِهِ أنْهارُ ماءٍ حَيٍّ، كَما يَقُولُ الكِتابُ. » 39 قالَ يَسُوعُ هَذا عَنِ الرُّوحِ القُدُسِ الَّذِي سَيَنالُهُ المُؤْمِنُونَ بِهِ. لَكِنْ لِأنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَمَجَّدَ بَعْدُ، فَإنَّ الرُّوحَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُرْسِلَ بَعْدُ. (يوحنا 7: 28-39)

في يوم هذا العيد، يجلب اليهود الماء من نبعٍ خاصّ في جنوب أورشليم (القدس) ويدخلون المدينة من ‘بوّابة الماء’ ويأخذون الماء إلى المذبح في الهيكل. لقد كان في هذا الوقت الذي كانوا يقيمون فيه شعائر الماء المقدّسة هذه أنّ المسيح (عليه السلام) صرخ قائلاً، كما قد سبق وأن قال، إنّه كان هو مصدر ‘الماء الحيّ’. وبقوله هذا، كان يذكّرهم ﺑ الظمأ في قلوبنا الذي يؤدّي إلى الخطيئة الذي كتب عنه الأنبياء، وكذلك بالوعد بمجيء الروح الذي سيَحلُّ على أولئك الذين يؤمنون به لإرواء هذا العطش بحيث لا يعودون بعد في حاجةٍ إلى أن يكونوا عبيدًا للخطيئة.

40 فَلَمّا سَمِعَ بَعْضُ النّاسِ هَذا الكَلامَ بَدَأُوا يَقُولُونَ: «هَذا الرَّجُلُ هُوَ النَّبِيُّ  حَقّاً.» 41 وَكانَ آخَرُونَ يَقُولُونَ: «هَذا الرَّجُلُ هُوَ المَسِيْحُ.» غَيْرَ أنَّ آخَرِيْنَ كانُوا يَقُولُونَ: «أيُعْقَلُ أنْ يَأْتِيَ المَسِيْحُ مِنَ الجَلِيلِ؟ 42 ألا يَقُولُ الكِتابُ إنَّ المَسِيْحَ سَيَكُونُ مِنْ نَسلِ داوُدَ، وَإنَّهُ يَأْتِي مِنْ بَلْدَةِ بَيْتَ لَحْمَ  حَيْثُ عاشَ داوُدُ؟» 43 فَحَدَثَ انقِسامٌ بَيْنَ النّاسِ بِسَبَبِهِ. 44 وَأرادَ بَعْضُهُمْ أنْ يَقْبِضَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أحَدٌ أنْ يُمْسِكَهُ. (يوحنا 7: 40-44)

في ذلك الوقت، تمامًا كما يحدث اليوم، كان الشعب منقسمًا حول النبيّ عيسى المسيح (عليه السلام). وكما رأينا أعلاه، كان الأنبياء قد تنبَّؤا بأن تكون ولادة المسيح في بيت لحم (حيث وُلِدَ عيسى). ولكن ماذا عن هذا السؤال حول أنّ المسيح لن يأتي من الجليل؟ كتب النبيّ إشعياء (عليه السلام) في القرن السابع ق.م ما يلي:

9 لَكِنْ لَنْ يَكُونَ هُناكَ ظَلامٌ لِلَّذِينَ كانُوا فِي الضِّيقِ. كانَتْ أرْضُ زَبُولُونَ وَنَفتالِي فِي عارٍ، وَلَكِنْ فِي المُستَقبَلِ سَتُكَرَّمُ الأرْضُ الغَربِيَّةُ الَّتِي عَلَى ساحِلِ البَحرِ، وَمِنطَقَةُ شَرقِ نَهرِ الأُردُنِّ، وَأرْضُ الجَلِيلِ حَيثُ الأُمَمُ الأُخرَى.

2 الشَّعبُ الَّذِي كانَ يَسلُكُ فِي الظُّلمَةِ
رَأى نُوراً عَظِيماً.
وَعَلَى السّاكِنِينَ فِي أرْضِ الظُّلمَةِ
أشرَقَ نُورٌ. (إشعياء 9: 1-2)

إذًا، كان الأنبياء قد تنبّؤا أن يبدأ المسيح تعليمه (إشراق النور) في ‘الجليل’ – وهو بالذات المكان حيث بدأ عيسى بالفعل تعليمه وقام بمعظم معجزاته. أخطأ الناس مرّةً أُخرى لأنّهم لم يدرسوا بعنايةٍ ما كتبه الأنبياء، بل آمنوا فقط بما كان معلّموهم عادةً يدرِّسونه.

عدم إيمان القادة اليهود

45 فَرَجِعَ حُرّاسُ الهَيْكَلِ إلَى الفِرِّيْسِيِّيْنَ وَكِبارِ الكَهَنَةِ. فَسَألَ هَؤُلاءِ الحُرّاسَ: «لِماذا لَمْ تُحْضِرُوهُ؟»

46 فَأجابَ الحُرّاسُ: «لَمْ يَتَحَدَّثْ إنسانٌ بِمِثلِ هَذا الكَلامِ قَطُّ!»

47 فَقالَ الفِرِّيْسِيُّونَ: «هَلْ خُدِعْتُمْ أنتُمْ أيضاً؟ 48 هَلْ تَعْرِفُونَ أحَداً مِنَ القادَةِ أوِ الفِرِّيْسِيِّيْنَ آمَنَ بِهِ؟ 49 لَكِنَّ أُولَئِكَ النّاسُ فِي الخارِجِ لا يَعْرِفُونَ شَيْئاً عَنِ الشَّرِيْعَةِ، وَهُمْ تَحتَ لَعْنَةِ اللهِ!»

50 وَكانَ نِيقُودِيْمُوسُ واحِداً مِنَ الفِرِّيْسِيِّيْنَ، وَهُوَ الَّذِي كانَ قَدْ ذَهَبَ إلَى يَسُوعَ سابِقاً. [a] فَسَألَهُمْ: 51 «هَلْ تَحْكُمُ شَرِيْعَتُنا عَلَى أحَدٍ قَبلَ الاسْتِماعِ إلَيْهِ أوَّلا وَمَعْرِفَةِ ما فَعَلَهُ؟»

52 فَأجابُوهُ: «يَبْدُوا أنَّكَ أنْتَ أيضاً مِنْ أهلِ الجَلِيلِ؟ ابْحَثْ فِي الكُتُبِ وَلَنْ تَجِدَ شَيْئاً عَنْ نَبِيٍّ يَأْتِي مِنَ الجَلِيلِ.» (يوحنا 7: 45-52)

يمكننا أن نرى أنّ علماء الشريعة كانوا مخطئين تمامًا لأنّ إشعياء قد تنبّأ بأنّ النور سيأتي من ‘الجليل’.

لقد استخلصتُ درسَين من هذه القصّة. أوّلاً، من السهل جدًّا تأدية أنشطتنا الدينيّة بحماسٍ كبيرٍ ولكن بقليلٍ من المعرفة. عندما نتناول موضوع الحجّ، يجب أن نحذر من ألاّ يكون ما يلي صحيحًا بالنسبة إلينا:

فَأنا أشهَدُ أنَّ لَهُمْ حَماساً للهِ، لَكِنَّهُ حَماسٌ غَيرُ مَبنِيٍّ عَلَى المَعرِفَةِ.  (رومية 10: 2)

يجب أن نعرف ما كتبه الأنبياء بحيث نكون مُطَّلعين بشكلٍ صحيحٍ.

ثانيًا، نرى هنا أنّ النبيّ عيسى المسيح (عليه السلام) يقدِّم عرضًا. لقد قال بمناسبة حجِّهم:

37 وَفِي اليَوْمِ الأخِيْرِ وَالأهَمِّ مِنَ العِيْدِ، وَقَفَ يَسُوعُ وَقالَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ: «إنْ عَطِشَ أحَدٌ مِنْكُمْ، فَلْيَأْتِ إلَيَّ وَيَشْرَبْ. 38 وَمَنْ آمَنَ بِي، سَتَفِيْضُ مِنْ أعماقِهِ أنْهارُ ماءٍ حَيٍّ، كَما يَقُولُ الكِتابُ. [a]»  (يوحنا 7: 37-38)

إنّ هذا العرض مُقدَّم إلى ‘‘أيّ إنسانٍ’’ (وهو لذلك ليس وقفًا على اليهود أو المسيحيّين أو المسلمين، إلخ) ‘عطشان’ هل أنت عطشان؟ (انظر هنا ما الذي يعنيه الأنبياء بهذا القول). إنّه لأمرٌ جيِّدٌ الشرب من بئر زمزم. لماذا لا تشرب أيضًا من المسيح الذي يستطيع أن يروي عطشنا الداخليّ؟